إعلان الرئيسية

الكفاءة في النكاح


تعريف الكفاءة في اللغة والاصطلاح والقانون:


1- الكفاءة في اللغة والاصطلاح:


- الكفاءة في اللغة:

النظير والمثيل والمساوي، وكل شيء ساوي شيئاً فهو مكافئ له، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ (الإخلاص: 4)

أي لا يوجد أحد يساوي ربنا ويكافئه، ومنه قوله ﷺ " المسلمون تتكافأ دماؤهم " أي: تتساوى في القصاص والدية.

والكفاءَة في النكاح في اصطلاح اهل العلم ان يكون الرجل مساوياً المرأة، ونظيرها، في خصال محددة، كالدين، والنسب، والحرية، والصنعة، ونحو ذلك.

وكل أصحاب مذهب في تعريفهم للكفاءة يذكرون الخصال التي أداهم اجتهادهم إلى اعتبارها فيها، فالدردير الفقيه المالكي عرفها بقول: " هي لغة: المماثلة، والمراد بها المماثلة في ثلاثة أمور على المذهب: الحال (أي: المنصب)، والدين، والحرية "

وابن أبي تغلب الحنبلي عرفها بقوله: " الكفاءة لغة: الماثلة، والمساواة، معتبرة في خمسة أشياء: الديانة، والصناعة، واليسار، والحرية، والنسب "

الكفاءة في القانون:


حدَّد هذا القانون الكفاءة في امرين: التدين والمال، وجعل كفاءة المال قدرة الزوج على المهر المعجل والنفقة على الزوجة.

ويشترط في لزوم الزواج ان يكون الرجل كُفُؤاً للمرأة في التدين والمال، وكفاءة المال ان يكون الزوج قادراً على المهر المعجل ونفقة الزوجة.

الجانب الذي تعتبر فيه الكفاءة:


الجانب الذي تعتبر له الكفاءة لدى الفقهاء وفي قانون الأحوال الشخصية هو النساء وأولياؤهن لا الأزواج.


يقول الكاساني: " الكفاءَة تعتبر للنساء لا للرجال على معنى انه تعتبر الكفاءَة في جانب الرجال للنساء، ولا تعتبر في جانب النساء للرجال ".

وقد خطَّأ الكاساني من ذهب من مشايخ الحنفية إلى القول بأن الكفاءة معتبرة في جانب النساء عند أبي يوسف ومحمد استدلالاً بمسألة ذكرت في الجامع الصغير، وبين وجه خطئهم في فقههم لتلك المسألة.

واستدلَّ اهل العلم على عدم اشتراط مكافأة المرأة لزوجها بالنصوص، وهي من الوضوح بحيث لا تحتمل تأويلاً، فالرسول ﷺ تزوج من قبائل العرب، وهو لا مكافئ له، بل تزوج صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي.

والسبب في ان الكفاءَة معتبرة في الرجال للنساء كما يقول أبو زهرة: " إن العار لا يلحق الرجل وأسرته إذا تزوج من خسيسة، وهو يلحق المرأة وأسرتها إذا تزوجت من خسيس، ولأن الرجل الرفيع في نظر الناس يرفع امرأته، والمرأة لا ترفع خسيسة زوجها إن كانت رفيعة.

والرجل يملك الطلاق في كل وقت، فيستطيع دفع المغبة عن نفسه، بخلاف المرأة فلا تستطيع ذلك إلا في أحوال استثنائية وبطلب من القاضي ".

والقول بأنَّ الكفاءَة حق للنساء دون الرجال قول أهل العلم عامة، ومنهم الحنفية، ولم يعتبروا الكفاءَة في حق الرجال إلا في صورتين:

الأولى: إذا زوج الولي غير الأب والجد الصغير، فإن تزويجه من غير الكفء لا مصلحة له فيه، وعدم تصحيح الحنفية للزواج في هذه الصورة دليل اشتراطهم الكفاءة فيها

والثانية: إذا وكل رجلٌ آخرَ بتزويجه بامرأة، فليس له ان يزوجه بامرأة غير كفء له، وهذا مذهب الصاحبين، قالا به استحساناً.

حكم الكفاءَة في الزواج:


الكفاءَة في الزواج في قانون الأحوال الشخصية شرط لزوم، ويشترط في لزوم الزواج ان يكون الرجل كُفُؤاً للمرأة. 
ومعنى كونه شرط لزوم ان عقد الزواج يكون لازماً إذا كان الزوج كُفْئاً، فإن لم يكن كُفْئاً فإن العقد ليس بلازم، ويجوز لمن لم يرضى من الأولياء، وكذلك المرأة فسخ العقد بطلب من القاضي.

وهذا الحكم وهو القول بأن الكفاءَة شرط لزوم هو قول الغالبية العظمى من الفقهاء، وفيهم المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

وهذا القول يقضي بأن الكفاءَة حقٌ للمرأة وأوليائها، وليس حقّاً خالصاً لله، فإذا رضيت المرأة وأولياؤها بغير الكفء صح النكاح، لأن الكفاءَة حقهم، وقد أسقطوه، فإن زوجت المرأة نفسها من غير رضا الولي – وهذا هو المذهب عن الحنفية – فيجوز للولي الذي له الحق في الاعتراض ان يطالب القاضي بفسخ العقد.

أما المذاهب الثلاثة الأخرى: المالكية، والشافعية، والحنابلة، الذين يشترطون الولي، ويجيزون له إجبار المرأة على النكاح، فيعطون الولي الحق في فسخ النكاح إذا لم يكن الزوج كفئاً للمرأة.

حكمة اشتراط الكفاءَة:


نظر العلماء الذين عَدُّوا الكفاءَة شرطاً في النكاح في طبائع البشر، فهداهم ذلك على ان المسألة بعيدة الغور في النفس البشرية والمجتمعات الإنسانية، وان عدم اعتبارها يسبب النزاع والخصام بين الزوجين، وقد يؤدي إلى الفرقة والطلاق.

يقول ولي الله الدهلوي فيما نقله عنه صديق حسن خان: " الكفاءَة مما جبل عليها طوائف الناس، وكاد يكون فيها أشدّ من القتل ".

وقال الكاساني الفقيه الحنفي: " مصالح النكاح تختلُّ عند عدم الكفاءَة ".

وقال الفرافي: " المطلوب في النكاح السكون والودُّ والمحبة، لقوله الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21)

ونفس الشريفة ذات المنصب لا تسكن للخسيس، بل ذلك سبب العداوة والفتن والبغضاء والعار، على مرَّ الأعصار في الأخلاف والأسلاف، فإن مقاربة الدنيء تَضَعُ، ومقاربة العلي ترفع، والقاعدة: ان كل عقد لا يُحصّل الحكمة التي شرع لأجلها لا يشرع ".

وقال الشيخ علي حسب الله: " في الكفاءَة تقريب بين الزوجين، ودفع العار عن المرأة وعن اوليائها، وتوثيق الصلة، ونفي أسباب النزاع بين الأسرتين، وبغيرها لا تنتظم مصالح الزواج، فإن الزوج إذا لم يكن كفئاً لامرأته، يكون مكروهاً مُزدَارىّ منها او من اوليائها، فلا تتم للزوجين سعادة، ولا يكون بين الاسرتين تعاون ".

الأدلة الدالة على اعتبار الكفاءَة:


أقوى ما اعتمد عليه القائلون بأن الكفاءَة شرط لزوم النكاح هو ما ذكروه من الحكم المترتبة على الكفاءَة التي سقتها في المبحث السابق، أما الأدلة التي ساقوها، فلا تنهض للاستدلال على اعتبارها، لأن الصريح منها غير صحيح، والصحيح لا دلالة فيه على المطلوب.

فمن الأحاديث التي لا تصلح للاستدلال بها لضعفها حديث: " ألا لا تزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء " وحديث: " العرب بعضهم لبعض أكفاء، قبيلة لقبيلة، وحي لحي، ورجل لرجل إلا حائك أو حجام ".

وحديث: " ثلاث لا يؤخرن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفئاً ".

فهذه الأحاديث كلها غير صالحة للاحتجاج بها لضعفها.

اما الأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها، كقوله ﷺ: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم "

وذكر صديق حسن خان ان بعضهم استدل برواية الصحيحين " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فهوا "، وبين انه ليس فيه دلالة على المطلوب، لأنَّ إثبات كون البعض خيراً من بعض لا يستلزم ان يكون الأدنى غير كفء للأعلى.

اما الاستدلال بأن الرسول ﷺ أعطى الحق بفسخ عقد النكاح للمرأة التي زوجها وليها بغير إذنها، فهذا راجع على عدم رضا المرأة، وعدم جواز إجبار الآباء والأولياء من يتولون أمرهنَّ على النكاح.

وقد استدلَّ القائلون بعدم اشتراط الكفاءَة أنَّ القول بها يعيد المسلمين إلى الأخذ بالقيم والموازين الجاهلية، وينقض المنهج الذي عمل الرسول ﷺ على إقراره.

إن الإسلام حرص على تخليص الناس من التفاخر بالأحساب والأنساب والتكاثر في الأموال، ودعا الى اعتماد أساس واحد، هو الدين والتقى والصلاح ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ (الأحزاب: 37)

وأمر الرسول ﷺ فاطمة بنت قيس أن تنكح مولاه أسامة بن زيد، وكان قد خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو الجهم.

وزوج ﷺ ابنتيه من عثمان بن عفان رضي الله عنه، وزوج ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع.

وزوج الصَّديق أخته أم فروة من الأشعث بن قيس، وتزوج المقداد ضباعه بنت الزبير ابن عبدالمطلب ابنة عمَّ رسول الله ﷺ والأشعث والمقداد كِنْديان.

وزوج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس – وكان ممن شهد بدراً بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة الى سالم مولى امرأة من الأنصار، وكان أبو حذيفة تبني سالماً قبل ان يحرم الإسلام التبني.

وروى الدار قطني ان عبدالرحمن بن عوف زوج بلالاً الحبشي اخته.

وأخرج أبو داود ان أبا هند حَجَمَ النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: " يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه " أخرجه الحاكم، وحسن ابن حجر في التلخيص إسناده، وتتبع هذا من كتب السنة يطول.

الخصال المعتبرة في الكفاءَة:


الخصال المعتبرة في الكفاءَة في قانون الأحوال الشخصية التديُن والمال، فالكفاءًة في المال فحسب وقصره إياها على المال وحده يضعفها، ويقلل الاهتمام بها، خاصة إذا كان المعتبر في المال هو معجَّل المهر والنفقة، فكثير من عقود الزواج يجعل المهر كلّه او اكثره مؤخراً، أضف على هذا أنَّ كثيراً من المسلمين لا يهتم بغنى الزوج، فالمهم كفاءَته في الدين والخلق والصنعة، ومن هنا فإنَّ أكثر علماء المالكية لم يعتبروا المال من خصال الكفاءَة، وعلماء الشافعية اختلفوا في المال، وكثير منهم لا يعده في خصال الكفاءَة.

والكفاءَة عند فقهاء المالكية خصلة واحدة هي الدين فحسب.

ومنهم من اعتبرها في ثلاث خصال، هي:


 الدين، والحرفة، والسلامة من العيوب، ومنهم من أضاف إليها النسب والمال.

وذهب الحنفية إلى اعتبارها في النسب والحرية، والمال، والحسب، وأضاف إليها أبو يوسف الحرفة، ولم يدخلها أبو حنفية فيها.

والشافعية اعتبرها في الدين، والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة، وفي إدخال الغني في الكفاءة خلاف عندهم.

والحنابلة اعتبروها في الحسب والدين على قول، وهذا قول أكثر المتقدمين، ومنهم من اضاف اليها الحرفة والحرية واليسار.

وقد أحسن الذين وضعوا هذا القانون عندما اضافوا " التدين " إلى المال، فالتدين الخصلة الأهم بين خصال الكفاءَة

حكم زوال الكفاءَة:


1- حكم زوال الكفاءَة بعد تمام العقد:


إذا زالت الكفاءَة بعد تمام العقد فلا يضر زوالها، فالكفاءَة حقٌ خاصٌّ بالمرأة والولي، وتراعي عند العقد، فإذا زالت بعده، فلا يؤثر ذلك في الزواج.
وعلى ذلك فإذا كان الزوج قادراً على معجل المهر والنفقة عند العقد، ثم وقعت له ظروف بعد العقد جعلته عاجزاً عن المهر المعجل والنفقة، لم يضر ذلك بالعقد، ولا يجوز للزوجة أو وليها المطالبة بفسخ النكاح بدعوى عدم الكفاءَة.

2- تقصير المرأة ووليها في البحث والسؤال عن كفاءة الزوج:


" إذا زوج الولي البكر أو الثيب برضاها لرجل لا يعلمان كلاهما كفاءته، ثم تبين انه غير كفء، فليس لأيَّ منهم حق الاعتراض ".

فلا حق للولي ولا للمرأة حق الاعتراض إذا زوجها وليها برضاها لشخص لا يعلمان كفاءَته، لأنهما قصَّرا في عدم الاستفسار او السؤال.

أما إذا اشترط الولي أو المرأة الكفاءَة حين العقد، أو أخبرهما الخاطب أنه كفء، أو تظاهر بأنه كفء ثم ظهر انه ليس بكفء، فإنه يحق لكل واحد منهما مطالبة القاضي بفسخ العقد، فإذا ملك الزوج المال الذي يجعله كفئاً عند الخصومة، فلا يحق لأيّ منهما المطالبة بالفسخ.


الحالات التي يسقط حق فسخ عقد الزواج بسبب عدم الكفاءة:


يسقط حق فسخ عقد الزواج بسبب عدم الكفاءة في الحالات الآتية:


- حمل الزوجة أي إذا حملت الزوجة من الزوج

- ان يكون قد سبق من الولي قبوله بالزواج قبل عقده

- ان يعلم الولي بعقد الزواج، ويمضي على علمه به ثلاثة أشهر قبل ان يقوم بطلب فسخه.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلا ً ومرحبا ً بكم في | مجتمعيات | تسعدنا أرائكم ومشاركتكم معنا دائما ً ، فلتشاركونا بأرائكم التي تتزين بها | مجتمعبات |