إعلان الرئيسية

حكم الولي في زواج المرأة، وحكم إجبار الولي المرأة البالغة العاقلة على الزواج


هذا الموضوع مخصص لبيان مدى لزوم الولي في زواج المرأة البالغة العاقلة ثيباً كانت أم بكراً.

أقوال أهل العلم في هذه المسألة:

لأهل العلم في لزوم الولي في تزويج المرأة البالغة العاقلة قولان:


الأول: قول جمهور أهل العلم من السلف والخلف، وفيهم الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وقولهم اشتراط الولي في تزويج المرأة البالغة العاقلة لا فرق في ذلك بين البكر والثيب.

الثاني: قول أبي حنيفة وزفر والشعبي والزهري، وقولهم عدم اشتراطه، والولي في النكاح عندهم مندوب اليه، وليس بشرط.


الأدلة:

أولاً: أدلة القائلين باشتراط الولي:

استدل الجمهور القائلون باشتراط الولي بأدلة كثيرة منها:

1- الاستدلال بالقرآن:

أ- احتج الشافعي رحمه الله تعالى بقول تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ (النساء: 34)، ووجه الاستدلال بالآية ان الولاية من القوامة المنصوص عليها.

ب- واستدلوا بالنصوص الآمرة للرجال بتزويج النساء او الناهية عن تزويجهنَّ كقوله تعالى:

﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ﴾ (النور: 32) وقوله: ﴿وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا﴾ (البقرة: 221)

فأنت ترى أن النصوص خاطبت الرجال آمرة بالإنكاح او ناهية عنه، ولو كان امر تزويج النساء عائداً إليهن لما وجه الخطاب إلى الرجال.

ج- واستدلوا بالنصوص الناهية للأولياء عن عض النساء كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ (البقرة: 232)

ووجه الاستدلال بالآية أن المخاطب بالنهي عن العضل هم الأولياء، نهوا عن عضل النساء اللاتي طلقن وأتممن عدتهن عن العودة إلى أزواجهن إذا جاء الزوج خاطباً، ورضيت المرأة بالعودة إليه.

وقد قوّى جمهور اهل العلم مذهبهم بما ورد في صحيح البخاري وغيره من أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار عندما منع اخته من الرجوع الى زوجها بعد تطليقه إياها وخروجها من عدتها، ثم عاد اليها خاطباًن فلما رفض اخوها تزويجها إياه، نزلت الآية ناهية له عن عضلها، فدعاه الرسول وقرأ الآية عليه، فزوجها غياه.

وقد رفع سبب النزول الاستدلال بالآية الى درجة النص الذي لا يصح العدول عنه، ولا تجاوزه، ولذا قال الشافعي بعد إيراده حديث معقل:" لا أعلم أن الآية تحتمل غيره، لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل ".

2- الاستدلال بالسنة:

عقد مجد الدين ابن تيمية باباً عنون له بقوله: " باب لا نكاح إلا بولي " وساق تحت هذا الباب حديث أبي موسى عن النبي  قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجه، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "

وعزا المجد ابن تيمية هذين الحديثين إلى أبي داود والترمذي وابن ماجة واحمد، وعزا الثاني ايضاً لأبي داود الطيالسي، ولفظه: " لا نكاح إلا بولي، وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن لم يكن لها ولي، فالسلطان ولي من لا ولي له ".

وساق ايضاً حديث أبي هريرة عن النبي قال: " لا تزوج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوج المرأةُ نفسَها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ". وعزاه إلى ابن ماجه والدارقطني.


وقد صحح جمع من نقاد الحديث وفرسانه جملة من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي في النكاح، ووجه دلالة هذه الأحاديث على اشتراط الولي أن بعضها صرح باشتراطه، كقوله: " لا نكاح إلا بولي " وهو يفيد انتفاء النكاح الشرعي بانتفاء الولي، وكل ما أفاد هذه الإفادة فإنه يكون شرطاً، فالشرط ما يلزم من عدمه عدم المشروط كما تقرر في علم أصول الفقه.

وقد صرح ببطلان النكاح الذي لا ولي فيه حديث عائشة السالف قبل قليل.

3- الاستدلال بمقاصد الشريعة:


استدلَّ القائلون بوجوب الولي بأنَّ إيجابه يحقق مقاصد الشريعة، فقد تحدث جمع من اهل العلم عن الحِكَم المتوخاة من وراء الإلزام بالولي، ويمكن إيجاز هذه الحِكَم في الآتي:


أ‌- الرجال أقدر على البحث عن أحوال الخاطب من النساء، ولو تركت المرأة وحدها تقرر مصيرها بلا معونة من أهلها واقاربها، فقد لا توفق الى اختيار الرجل المناسب.

ب‌- اشتراط الولي فيه مزيد من الإعلان عن النكاح، والشريعة تدعو إلى إعلان النكاح وإشهاره، من اجل ذلك شرع الولي والشهود والوليمة والتهنئة.

ت‌- ارتباط المرأة بالرجل الذي تختاره ليس شأناً خاصاً بالمرأة دون سواها، فالزواج يربط بين الأسر، ويوجد شبكة من العلاقات، والآباء والأخوة يهمهم ان تكون الأسرة التي يرتبطون بها على مستوى من الفضل والخلق، وارتباط المرأة بالزوج الصالح يريح اسرتها، وتعثرها في حياتها الزوجية يقلقهم ويتعبهم.

والأولياء يصيبهم العناء والبلاء إذا لم توفق المرأة في زواجها، وسيقعون في بلاء أعظم واشد إذا وصل الشقاق بين المرأة وزوجها إلى الطلاق، عادت إليهم تحمل في رحمها جنينها، وتمسك بيدها أولادها، أفيكون عليهم الغرم، ولا يشاركون في قرار له انعكاساته على حياتهم كلهم!!
يقول الشيخ محمد أبو زهرة: " أساس الولاية ان عقد الزواج لا تعود مغباته على العاقدين وحدهما، بل ينال الأسرة منه شيء من العار أو الفخار "

ثانياً: أدلة القائلين بعدم اشتراط الولي:

استدل الذين ذهبوا هذا المذهب بالنص الذي استدل به الفريق الأول، وهو قوله تعالى:﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾

" والاستدلال بالآية من وجهين: أحدهما: انه أضاف النكاح اليهن، فدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي.
والثاني: أنه نهى الأولياء عن المنع من نكاحهن أنفسهن ازواجهن إذا تراضى الزوجان ".

وقد بينا فيما سبق بدلالة سبب النزول أن المراد بالأزواج في الآية هم الذي طلقوا زوجاتهم، وِبنَّ منهم بخروجهن من العدة، ثم رغبوا في نكاح مطلقاتهم، والمنهي عن العضل هو الأولياء الذين جعل الله امر التزويج إليهم، وسقنا النصوص الحديثية الدالة على صحة هذا الفقه من النص، فإلغاء هذا الفقه بمثل هذا الاستدلال بعيد.

واشتراط الولي في النكاح لا يجعل المرأة التي زوجها الولي غير ناكحة لزوجها، كل ما في الأمر انها لا تستطيع ان تجري العقد بلفظها، ويمثل لهذا بمن وكلت شخصاً يشتري لها، فإنها تكون في الحقيقة قد اشترت، والفارق بين البيع والزواج انه في الزواج يجب ان يعقد لها الولي، ولا يشترط هذا في البيع والشراء.

2- واحتج الحنفية بقوله " الأيم أحق بنفسها من وليها ". وهذا الحديث صحيح رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله  قال:" الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها ".


وهذا الحديث لا يعارض النصوص الدالة على اشتراط الولاية، غاية ما يدل عليه أن للولي حقاً في تزويج الثيب، وللثيب حق في تزويج نفسها، وحقها أرجح من حقه، وهذا ما تدل عليه صيغة التفضيل، ولما كان حقها بهذه المثابة لمي جز تزويجها بدون استثمارها، وتصريحها بالموافقة، أما البكر فحق الولي أعظم منن حقها، ولذا اكتفي بصمتها.

كيف احتاط أبو حنيفة لحق الولي:


لم بلغ الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – حق الولي عندما لم يشترطه في زواج المرأة البالغة العاقلة، فإنه أعطاه حق إيقاف العقد وإبطاله إذا لم يكن الزوج كفئاً، وتوسع في الخصال التي في الكفاءة، كما أعطاه الحق في المطالبة بفسخ العقد إذا كان المهر اقل من مهر المثل، فالجمهور جعلوا الولاية شرط صحة النكاح، ولم يجيزوا للمرأة الانفراد بتزويج نفسها ابتداءً، بينما اعطى الامام أبو حنيفة المرأة الحق في تزويج نفسها، ولكنه جعل للولي الحق في إيقاف العقد إذا لم يكن الزوج كفئاً، وبذلك اتفق الجمهور والحنفية في إعطاء الوي حقّاً في زواج موليته، وان اختلفوا في طريق إعطائه هذا الحق.


يقول أبو زهرة – رحمه الله -: " الكفاءَة عند الحنفية ستة أمور: النسب، والإسلام، والحرية، والمال، والديانة، والحرفة ".

ثم يقول: " هذه الأمور التي تعتبر فيها الكفاءة في المذهب الحنفي، وهو أوسع المذاهب الأربعة بالنسبة لها، لأن إمامه الأول أبا حنيفة إذا أطلق حرية المرأة في الزواج قد احتاط للولي بالتوسع في معنى الكفاءة، والتشدد في اشتراطها، لكيلا تسيء المرأة في الزواج إليه ".

ولذا فإن الذين لا يحملون الولاية شرطاً في صحة النكاح، ولا يعطون الولي الحق في رفض الزوج إذا لم يكن كفئاً لا يتبعون قول أحد من اهل العلم، لا قول الجمهور ولا قول أبي حنيفة.

حكم إجبار الولي المرأة البالغة العاقلة على الزواج


بيننا فيما سبق رجحان قول الجمهور في اشتراط الولي في نكاح المرأة البالغة العاقلة بكراً كانت أو ثيباً، ولكن هل يعني هذا ان الشريعة تجيز للولي أن يكره موليته على النكاح من غير رضاها؟

يخلط التي يتولى امرها على النكاح، والأمران ليسا بمتلازمين، فليس كل الذين اشترطوا الولي في النكاح اجازوا للولي إجبار موليته على الزاج ممن يريده بغير رضاها، بل ان القول الأقوى هو عدم اجواز إجبار الولي لموليته على الزواج كما سيأتي، ولما كان القول بعدم جواز اجبار الولي للمرأة الثيب محل اتفاق، وللبكر محل نزاع، فإنَّ مقتضي التأليف والترتيب ان نبحث كل واحدة منهاتين المسألتين على حدة.

أولاً: إجبار الولي المرأة الثيب:

استدل اهل العلم على عدم جواز إجبار الولي المرأة على النكاح بالأدلة التالية:


1- الإجماع: اتفق اهل العلم إلا من شذَّ منهم على منع الولي من اكراه المرأة الثيب البالغة العاقلة على الزواج، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " الثيب البالغة لا تنكح إلا بإذنها باتفاق الأئمة " ويقول في موضوع آخر: " البالغ الثيب لا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين "

2- النصوص الصريحة من السنة: واستدل اهل العلم على عدم صحة إكراه الولي للثيب البالغة من الزواج بما رواه البخاري وغيره عن الخنساء بنت خِذام الانصارية " أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله  فرد نكاحها "

وقد بوب البخاري على هذا الحديث بقوله: " باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود ". وهذا الحديث بقوله: " باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود ". وهذا الحديث مجمع على صحته كما يقول ابن عبد البر فيما نقله عنه ابن قدامة.

واستدلوا بقوله  في حديث عبدالله بن عباس: " ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تسـامر، وصمتها إقرارها ".

وروى مسلم حديث ابن عباس بلفظ: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صُماتها "

3- الاستدلال بالمعقول: واستدلوا من المعقول بأنَّ الثيب البالغة رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح مختبرة له، فلم يجز إجبارها عليه كالرجل.

ثانياً: إجبار البكر البالغة العاقلة:


اختلف اهل العلم في البكر البالغة العاقلة، فذهب جمع من اهل العلم الى انه يجوز للولي تزويجها بغير إذنها، وذهب اخرون الى انه لا يجوز له ذلك

وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية القول بعدم الإجبار، وفي ذلك يقول: " اختل العلماء في استئذان الولي البكر البالغة هل هو واجب او مستحب؟ والصحيح انه واجب ".

واستدلَّ الذين لم يجيزوا للولي إجبار المرأة البالغة العاقلة على الزواج بأدلة منها:

1- النصوص المشترطة استئذان البكر في نكاحها: ومن هذه الأحاديث " والبكر تستأذن فينفسها " وفي رواية: " والبكر يستأذنها أبوها "

وفي راوية " واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها ".

وفي حديث ابي هريرة: " لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكرُ حتى تُستأذن".

قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت "

وقد بوب البخاري على الأحاديث الناهية عن إنكاح الثيب حتى تستأمر، والبكر حتى تستـأذن بقوله: " باب لا ينكح الأب وغيره البكر، والثيب إلا برضاهما "

وقال ابن حجر معلقاً على الترجمة: " الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكراً كانت او ثيباً، صغيرة كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، وتستثني الصغيرة".

2- النصوص المصرحة برد الرسول  نكاح من زوجها وليها من غير اذنها: روى النسائي عن عائشة ان فتاة دخلت عليها، فقالت: " إن أبي زوجني من ابن أخيه، ليرفع بي خسيسته، وإني كارهة، قالت: اجلسي، حتى يأتي رسول الله ، فجاء رسول الله  فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها.

فقالت: يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت ان اعلم الناس: أن ليس للآباء من الأمر شيء "

وروى أبو داود عن ابن عباس " أن جارية بكرا أتت الرسول  فذكرت أنَّ أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها رسول الله "

3- تزويج الفتاة مع كراهيتها مخالف للأصول والعقول: لم يسوغ الله – تبارك وتعالى – لولي المرأة أن يكرهها على بيع أو إجازة إلا بإذنها، ولا طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يكرهها على مباضعة من تكره مباضعته، ومعاشرة من تكره معاشرته، والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له، ونفورها منه، فأي مودة ورحمة في ذلك.

وقد تتابع اهل العلم على النص على بطلان العقود التي تتم بالإكراه، كالبيع والشراء والإجازة، فالقول بجواز إنكاح المرأة من غير رضاها مخالف للقاعدة العامة التي قررتها الشريعة الإسلامية، وأخذ بها أهل العلم.

4- إذا وقع شقاق بين الزوجين فإن الشريعة جعلت للمرأة سبيلاً للخلاص من زوج لا تريده، وقد شرعت لذلك طريقين:

الأول: أن يقام حَكَمٌ من قبل الزوجة، فإن اتفقا على التفريق بين الزوجين نفذ حكمهما.

والثاني: ان تخالع المرأة زوجها بدفع المهر الذي اخذته منه، ولها أن تلجأ إلى القضاء إذا أبى الزوج المخالعة.

فإذا كانت الشريعة قد شرعت للمرأة الخلاص من زوجها في حال كراهتها له، فكيف يجوز تزويجها إياه ابتداءً؟ إن مقتضى ما ذكرناه أنه لا يجوز تزويجها من غير إذنها، ولا يعني اشتراط إذنها أن الولي غير لازم في نكاحها، فالصواب من القول انه يجب اتفاق إرادتها وإرادة وليها في التزويج.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلا ً ومرحبا ً بكم في | مجتمعيات | تسعدنا أرائكم ومشاركتكم معنا دائما ً ، فلتشاركونا بأرائكم التي تتزين بها | مجتمعبات |