إعلان الرئيسية

النفقة الزوجية


تعريف النفقة وحكمها وأدلة وجوبها وسبب وجوبها ومجالاتها


تعريف النفقة:


النفقة ما يبذله الإنسان من الأموال وغيرها في مجالات الإنفاق المختلفة، قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (البقرة: 195) وقال: ﴿وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَناكم﴾ (المنافقون: 10)، والمراد بالنفقة هنا: " ما يفرض للزوجة على زوجها من مال للطعام والكساء والسكن والحضانة ونحوها " " المعجم الوسيط: 2/942. وراجع: لسان العرب: 3/693. والمفردات للراغب الأصفهاني: 502 والمصباح المنير: 618، حاشية ابن عابدين: 3/572 ".

وجوب إنفاق الزوج على زوجته:


أن نفقة كل إنسان في ماله، فإذا كان الأخ غنياً، فنفقته في ماله، ولا يجب على أخيه أن ينفق عليه، وكذلك الأب والعم وغيرهم، إلا الزوجة، فإن نفقتها تجب على زوجها، ولو كانت غنية.

" نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة، فإنَّ نفقتها على زوجها وإن كانت موسرة "

السبب في وجوب النفقة:

والسبب في وجوب إنفاق الزوج على زوجته أنها محبوسة لحقّه دون غيره، فإنه وحده الذي يستمتع بها، وتقوم بحمل ذريته في رحمها، ثم تقوم بالرضاع والتربية وحفظ بيته وماله في غيبته، وقد تقرر عند أهل العلم أن من حبس لحق غيره كانت نفقته عليه، فإمام المسلمين ونوابه وولاته وقضاته رزقهم من بيت مال المسلمين لاحتباسهم لحق المسلمين ومصالحهم، وكذلك عمال الدولة الإسلامية.

نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع:


أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ (الطلاق: 7). ومعنى ﴿قُدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي" ضُيَّق عليه. وقال الله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ (الأحزاب: 50)

وأما السنّة فما روى جابر، أن رسول الله ﷺ خطب الناس، فقال: " اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " (رواه مسلم، وأبو داود والترمذي).

وأما الإجماع، فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن، ذكره ابن المنذر وغيره.

مجالات الإنفاق الواجب:


إن مجالات النفقة الواجبة على الزوج: " نفقة الزوجة تشمل الطعام والكسوة والسكني والتطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خدم ".

والثلاث الأول، وهي الطعام والكسوة والسكنى متفق على دخولها في النفقة الواجبة عند أهل العلم، والسبب في وجوبها انه لا غنى للمرأة عنها، ومن نفقة الطعام إعداد الأدوات التي تحتاجها الزوجة لإعداد الطعام وتهيئته.

أما التطبيب والخدمة اللذان نص القانون على وجوبهما؛ فإنهما محل خلاف عند أهل العلم، وقول جمهور الفقهاء – وفيهم الأئمة الأربعة – أن التطبيب ليس بواجب على الزوج، ويبدو لي أن الحاجة لم تكن ماسّة للمعالجة كما هي الحال اليوم، فقد أصبح العلاج – اليوم – بمثابة الغذاء والكساء، وينبغي أن يتنبه إلى أن التطبيب بالقدر المعروف كما قرر القانون، فلا يجوز أن تكلف المرأة زوجها رهقاً بطلبها العلاج في المستشفيات والعيادات ذات الأجر المرتفع، إن لم يكن ذلك في استطاعة الزوج.

طرق إيصال النفقة ووقت وجوبها:


طريق إيصال النفقة إلى الزوجة:


المتعارف عليه في ديار المسلمين قديماً وحديثاً أن ينفق الزوج على زوجه ونفسه، ويهيئ للمنزل ما يحتاجه الزوجان والأولاد، ولم تجر العادة بأن يدفع الزوج لزوجته نفقتها في كل يوم أو شهر أو سنة، لا مالاً ولا عيناً من طعام وكسوة ونحو ذلك، ولا يلجأ إلى تقدير النفقة وإلزام الزوج بدفعها بالتراضي أو بحكم قضائي إلا إذا وقعت الخصومة بسبب عدم إنفاق الزوج لبخله أو غيبته أو عسره، وحين ذلك يلجأ إلى التراضي على قدرها، أو يحكم بذلك القاضي.

وهذا ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية، فلم يلزم بدفع النفقة إلى الزوجة إلا إذا امتنع عن الإنفاق على زوجته أو ثبت انه مقصر في ذلك.

وقت وجوب النفقة:


تجب النفقة على الزوج في القانون من حين العقد، جاء في المادة المتممة للستين " تجب النفقة للزوجة ولو مع اختلاف الدين من حين العقد الصحيح، ولو كانت مقيمة في بيت أهلها وإذا طالبها الزوج بالنقلة إلى بيت الزوجية فامتنعت بغير حق شرعي فلا نفقة لها، ولها حق الامتناع عند عدم دفع الزوج مهرها المعجل، أو عدم تهيئته مسكناً شرعياً لها ".

أحكام وجوب النفقة:


1- وجوب النفقة للزوجة، مسلمة كانت أو كتابية لعموم النصوص الموجبة للنفقة، ولأن المعنى الذي أوجبت النفقة على الزوج فيهما واحد، وهذا قول عامة أهل العلم كما يقول ابن قدامة، وقد عزاه إلى مالك والشافعي، وأبي ثور وأصحاب الرأي.

2- لا تستحق المرأة نفقة إذا كان الزواج باطلاً أو فاسداً.

3- تبدأ النفقة من العقد الصحيح، ولو لم تنقل إلى بيت زوجها، إلا إذا طالبها بالانتقال إلى منزله، فرفضت بغير حقَّ شرعي.

وهذا هو المذهب عند الحنفية، وهو قديم قول الشافعي، ومبنى هذا القول أن الزوجة بالعقد تصبح محبوسة لحق زوجها، والمفروض انها متفرغة له، فإذا طالبها بالانتقال فرفضت، فإنها تكون بذلك ناشزاً لا تستحق النفقة.

ولا تجب النفقة عند المذاهب الثلاثة بالعقد وحده، بل تجب من حين تسليم نفسها لزوجها، وقد عبرَّ الشافعية عن ذلك بالتمكين، وعبر عنه الحنابلة بالتسليم، وقال المالكية: إذا دعيت للدخول وجبت النفقة، وهذا هو الذي عليه العرف في ديارنا، فإن الناس يستقبحون أن تطالب الزوجة زوجها بالنفقة من يوم العقد عليها، ويرون أن ذلك واجب على الزوج من حين انتقالها إلى بيت الزوج، فإن طلبت منه النقلة إلى بيته فرفض وجبت عليه النفقة.

4- امتناع الزوجة عن تسليم نفسها للزوج لا يسقط حقها في النفقة في حالتين:

متى لا يُسقِط امتناع الزوجة عن تسليم نفسها للزوج حقها في النفقة:


أ- إذا لم يدفع لها الزوج معجل مهرها، وهذا قول الحنفية والحنابلة.

ب- إذا لم يعدَّ الزوج المسكن الشرعي المناسب.

تقدير النفقة:


المعتبر في تقدير النفقة الواجبة الكفاية بالمعروف، لقول الرسول ﷺ لهند امرأة أبي سفيان: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".

فالنساء يتفاوتن في مقدار ما يكفيهن طعاماً وكسوة، فكسوة الطويلة تحتاج إلى مقدار من القماش أكثر مما تحتاجه امرأة قصيرة، ولكن هذه الحاجة تقدر بالمعروف، والمعروف يقضي بمراعاة أمور كثيرة تختلف باختلاف البلاد والأزمنة.

يقول السرخسي: " يفرض بمقدار ما تقع به الكفاية، ويعتبر المعروف في ذلك، وهو فوق التقتير ودون الإسراف ".

وقد أطال الفقهاء في تحديد القدر الذي يلزم الزوج لطعام زوجته ولباسها ولهم في ذلك تفصيلات مفيدة، وأكثرها مبني على أعراف زمانهم، وقد تغيرت كثير من تلك الأعراف، وكل قوم بحاجة إلى تقدير النفقة، وفق العرف الذي يسود مجتمعاتهم.

وقد اختلف أهل العلم في المعتبر في النفقة الذي يجب مراعاته هل هو حال الزوج، أو حال الزوجة، أو حاليهما معاً.

فذهب الحنابلة إلى أن نفقة الزوجة معتبرة بحال الزوجين جميعاً، فإن كانا موسرين فعليه نفقة المعسرين، وإن كانا متوسطين فلها عليه نفقة المتوسطين، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً فعليه نفقة المتوسطين أيهما كان الموسر، وهذا قول الخصاف من الحنفية

والمعتبر عند الحنفية والمالكية والشافعية في النفقة حال الزوج في اليسار والإعسار.

لقوله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ﴾ (الطلاق: 7) ولقوله تعالى: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ (البقرة: 236). فقد جعلت هاتان الآيتان التكليف بالإنفاق وسع الزوج.

" وتفرض نفقة الزوجة بحسب حال الزوج يسراً وعسراً، وتجوز زيادتها ونقصها تبعاً لحالته، على أن لا يقل عن الحد الأدنى بقدر الضرورة من القوت والكسوة والسكن، والتطبيب، وتلزم النفقة إما بتراضي الزوجين على قدر معين، أو بحكم القاضي، وتسقط نفقة المدة التي سبقت التراضي أو الطلب من القاضي ".

أحكام تقدير نفقة الزوجة:


1- المعتبر في نفقة الزوجة حال الزوج عسراً ويسراً، وهو مذهب جمهور أهل العلم.

2- ولما كان المعتبر حال الزوج، وحاله غير ثابتة، فإنه يجوز زيادة النفقة إذا تحسنت حالته المادية، ويجوز إنقاصها إذا ساءت حالته.

3- وفي كل الحالات لا يجوز أن تقل النفقة عن الحد الأدنى من القوت والكسوة الضروريين للزوجة.

4- تقدر النفقة بطريقين:

الأولى: بتراضي الزوجين على قدر معين من المال، ولا بأس أن يستعينا في ذلك بمن يثقان برأيه من الأقارب والمعارف.

الثانية: حكم القاضي، وهذا يكون في حال رفع الزوجين أو أحدهما القضية إلى القضاء.

أسقط القانون أخذاٌ بقول الحنفية النفقة عن المدة السابقة للنفقة المقدرة بالتراضي أو بحكم القاضي، لأن النفقة السابقة لا تتحول إلى دَينٍ عند الحنفية إلا بهذين الأمرين، وهما التراضي أو حكم القاضي.

ومذهب الجمهور – وفيهم المالكية والحنابلة والشافعية – أن النفقة لا تسقط عن الزوج في حال تقصيره في الإنفاق، لأن وجوب النفقة عدهم يكون بالعقد، فلا يحتاج إلى الرضاء أو القضاء في صيرورتها ديناً.

وقد يبدو قول الجمهور راجحاً، لأن النفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع، فلا تسقط ما لم يأت دليل صريح يدلُّ على سقوطها، ولكن مذهب الحنفية في حالات النزاع في النفقة السابقة هو الصواب، فلو كان للقاضي أن يحكم بالنفقة السابقة هو الصواب، فلو كان للقاضي أن يحكم بالنفقة السابقة على التراضي أو حكم القاضي فإن الزوجات اللواتي لا يخفن الله لن يعجزن عن الإشهاد على أن الزوج لم ينفق عليهن من عشر سنوات أو خمس عشرة سنة.

فرض القاضي النفقة في الحالات المختلفة:


قد ترفع المرأة دعوى لتحصيل النفقة من زوجها لرفضه الإنفاق عليها، أو لعدم قدرته الإنفاق عليها بسبب عسره، وقد يكون عدم الإنفاق بسبب غيابه وسفره، وسأبين في هذا المطلب هذه الحالات، كما سأبين الحكم في المرأة التي حكم القاضي لها بالنفقة، ولم تستطع تحصيلها.

فرض القاضي النفقة على الزوج الحاضر الموسر:


إذا رفض الزوج الإنفاق على زوجته، فإما أن يكون حاضراً أو غائباً، فإن كان حاضراً فإما أن يكون موسراً أو معسراً.

وقد أذن الرسول ﷺ لهند زوجة أبي سفيان أن تأخذ من ماله بغير إذنه أن استطاعت " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "، وهذا أولى من رفع القضية إلى القضاء.

فإن لم تستطع الزوجة الأخذ من مال زوجها، فلها أن ترفع الأمر إلى القضاء، وعلى القاضي أن يحكم لها بكفايتها من النفقة.

إذا كان الزوج حاضراً معسراً:


أخذ قانون الأحوال الشخصية بمذهب الحنفية في حالة إعسار الزوج بالنفقة التي قدرها القاضي، إذ أجاز للزوجة ان تستدين على الزوج لسد نفقتها.

قال السرخسي: " كل امرأة قُضِي لها بالنفقة على زوجها وهو صغير او كبير او معسر لا يقدر على شيء، فإنها تؤمر ان تستدين، ثم ترجع عليه، ولا يحبسه القاضي إذا علم عجزه وعسرته "

إذا تعذر تحصيل النفقة من الزوج:


" إذا حكم للزوجة بنفقة على الزوج، وتعذر تحصيلها منه، يُلزم بالنفقة من تجب عليه نفقتها لو فرضت غير ذات زوج، ويكون له حقُّ الرجوع بها على الزوج ".

وعلى ذلك يلزم بالإنفاق عليها في هذه الحال أقرب أوليائها إليها، وأولادهم الأب إذا كان موجوداً وموسراً، ثم الجدّ، ثم الأخ..... وتصبح النفقة المبذولة من الولي في هذه الحال ديناً على الزوج، يحقُّ للمنفق مطالبته بها.

فرض القاضي نفقة الزوجة إذا غاب عنها زوجها:


" إذا تغيب الزوج، وترك زوجته بلا نفقة، أو سافر إلى محل قريب أو بعيد، أو فُقِد، يحكم القاضي بنفقتها من يوم الطلب بناءً على البيئة التي تقيمها الزوجة على قيام الزوجية بينهما بعد أن يحلفها اليمين على أن زوجها لم يترك لها نفقة، وأنها ليست ناشزاٌ، ولا علم لها بأنها مطلقة انقضت عدتها ".

" يفرض القاضي من حين الطلب نفقة لزوجة الغائب أو المفقود في ماله أو على مدينه، أو على مودعه او من في حمهما إذا كانوا مقرين بالمال والزوجية، أو منكرين لهما أو لأحدهما بعد إثبات مواقع الإنكار، وبعد تحليفها في جميع الحالات اليمين الشرعية ".

نفقة الولادة والمعتدات ونفقة تجهيز الزوجة بعد الوفاة


نفقة الولادة:


يدخل في النفقة الواجبة على الزوج تجاه زوجته تكاليف الولاة، ومن ذلك أجرة القابلة أو الطبيبة التي تقوم بالتوليد، وقيمة الأدوية، وأجرة المستشفى، وكل النفقات التي تستلزمها الولادة، أو التي تنشأ بسببها، بالقدر المعروف، لا فرق في ذلك بين أن تكون الزوجية قائمة أو غير قائمة.

" أجرة القابلة والطبيب الذي يستحضر لأجل الولادة عند الحاجة إليه، وثمن العلاج، وأجور المستشفى والنفقات التي تستلزمها الولادة أو التي تنشأ بسببها يلزم الزوج بالقدر المعروف حسب حاله، سواء كانت الزوجية قائمة أو غير قائمة ".

نفقة تجهيز وتكفين زوجته بعد موتها:


" على الزوج نفقات تجهيز زوجته وتكفينها بعد موتها ".

يقول النووي مبيناً الاختلاف في هذه المسألة عند الشافعية: " في وجوب تجهيز الزوجة الميتة وجهان سبقاً في الجنائز، ورأي المتولي ترتيبهما على الزوج، لأنّ عقدة النكاح تبقى في الغسل والإرث، وكذا التجهيز ".


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلا ً ومرحبا ً بكم في | مجتمعيات | تسعدنا أرائكم ومشاركتكم معنا دائما ً ، فلتشاركونا بأرائكم التي تتزين بها | مجتمعبات |